غالى يسارٌ واستخفَّ يمينُ |
بك يا لكهنك لا يكاد يبين |
تُجفى وتُعبد والضغائن تغتلي |
والدهر يقسو تارةً ويلين |
وتظلّ أنت كما عهدتُك نغمة |
للآن لم يرقى لها تلحين |
فرأيت أن أرويك محض رواية |
للناس لا صور ولا تلوين |
فلا أنت أروع إذ تكون مجرداً |
ولقد يضر برائع تثمين |
ولقد يضيق الشكل عن مضمونه |
ويضيع داخل شكله المضمون |
إني أتيتك أجتليك وأبتغي |
ورداً فعندك للعطاش معين |
وأغض عن طرفي أمام شوامخ |
وقع الزمان وأسهن متين |
وأراك أكبر من حديث خلافة |
يستامها مروان أو هارون |
لك بالنفوس إمامةٌ فيهون لو |
عصفت بك الشورى أو التعيين |
فدع المعاول تزبئر قساوةً |
وضراوةً إن البناء متين |
*** |
أأبا تراب وللتراب تفاخر |
إن كان من أمشاجه لك طين |
والناس من هذا التراب وكلهم |
في أصله حمأ به مسنون |
لكن من هذا التراب حوافر |
ومن التراب حواجب وعيون |
فإذا استطال بك التراب فعاذرٌ |
فلأنت من هذا التراب جبين |
ولئن رجعت إلى التراب فلم تمت |
فالجذر ليس يموت وهو دفين |
لكنه ينمو ويفترع الثرى |
وترف منه براعمٌ وغصون |
*** |
بالأمس عدت وأنت أكبر ما احتوى |
وعيٌ وأضخمُ ما تخال ظنون |
فسألت ذهني عنك هل هو واهم |
فيما روى أم أن ذاك يقين |
وهل الذي ربى أبي ورضعت من |
أمي بكل تراثها مأمون |
أم أنه بعد المدى فتضخمت |
صور وتخدع بالبعيد عيون |
أم أن ذلك حاجة الدنيا إلى |
متكامل يهفو له التكوين |
فطلبت من ذهني يميط ستائراً |
لعب الغلوُّ بها أو التهوين |
حتى أنتهى وعيي إليك مجرداً |
ما قاده الموروث والمخزون |
فإذا المبالغ في علاك مقصر |
وإذا المبذر في ثناك ظنين |
وإذا بك العملاق دون عيانه |
ما قد روى التاريخ والتدوين |
وإذا الذي لك بالنفوس من الصدى |
نزر وإنك بالأشد قمين |
*** |
أأبا الحسين وتلك أروع كنيةٍ |
وكلاكما بالرائعات قمين |
لك في خيال الدهر أي رؤى لها |
يروي السَّنا ويترجم النسرين |
هن السوابق شزبا وبشوطها |
ما نال منها الوهن والتوهين |
والشوط مملكة الأصيل وإنما |
يؤذي الأصائِل أن يسود هجين |
فسما زمان أنت في أبعاده |
وعلا مكان أنت فيه مكين |
*** |
آلاؤك البيضاء طوقت الدُّنا |
فلها على ذمم الزمان ديون |
أفق من الأبكار كل نجومه |
ما فيه حتى بالتصور عون |
في الحرب أنت المستحم من الدِّما |
والسلم أن التين والزيتون |
والصبح أنت على المنابر نغمة |
والليل في المحراب أنت أنين |
تكسوا وأنت قطيفةٌ مرقوعةٌ |
وتموت من جوع وأنت بطين |
وترق حتى قيل فيك دعابة |
وتفح حتى يفزع التنين |
خلق أقل نعوته وصفاته |
أن الجلال بمثله مقرون |
*** |
ماعدت ألحو في هواك متيماً |
وصفاتك البيضاء حورٌ عين |
فبحيث تجتمع الورود فراشة |
وبحيث ليلى يوجد المجنون |
وإذا سئلت العاشقين فعندهم |
فيما رووه مبرر موزون |
قسماً بسحر رؤاك وهي إلية |
ما مثلها فيما أخال يمين |
لو رمت تحرق عاشقيك لما ارعووا |
ولقد فعلت فما ارعوى المفتون |
وعذرتهم فلذى محاريب الهوى |
صرعى ودين مغلق ورهون |
والعيش دون العشق أو لذع الهوى |
عيش يليق بمثله التأبين |
ولقد عشقتك واحتفت بك أضلعي |
جمراً وتاه بجمره الكانون |
وفداء جمرك إن نفسي عندها |
توق إلى لذعاته وسكون |
*** |
ورجعت أعذر شانئيك بفعلهم |
فمتى التقى المذبوح والسكين |
بدر وأحد والهراس وخيبر |
والنهروان ومثلها صفين |
رأس يطيح بها ويندر كاهل |
ويد تجذ ويجذع العرنين |
هذا رصيدك بالنفوس فما ترى |
أيحبك المذبوح والمطعون |
ومن البداهة والديون ثقيلة |
في أن يقاضى دائن ومدين |
حقد إلى حسد وخسة معدن |
مطرت عليك وكلهن هتون |
راموا بها أن يدفنوك فهالهم |
أن عاد سعيهم هو المدفون |
وتوهموا أن يغرقوك بشتمهم |
أتخاف من غرق وأنت سفين |
ستظل تحسبك الكواكب كوكباً |
ويهز سمع الدهر منك رنين |
وتعيش من بعد الخلود دلالةً |
في أن ما تهوى السماء يكون |